هذه التدوينة وقفة للاتعاظ ... تذكر الآخرة يمنح الواحد منا طاقة إيمانية روحية تدفعه لتصحيح مساره ... لأنها هي المنتهى ... و الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية ... و الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ... فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ... و تزينوا ليوم العرض الأكبر ... يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية
استحضروا قلوبكم فإن الأمر شديد و الخطب عظيم ....
كلا إذا دكت الأرض دكا دكا {21} وجاء ربك والملك صفا صفا {22} وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى {23} - سورة الفجر
كلا ... ما هكذا ينبغي أن يكون حالكم!
فإذا زلزلت الأرض وكَسَّر بعضُها بعضًا (و كُسِّر كل شيء على ظهرها من جبل و بناء و شجر، فلم يبق على ظهرها شيء) ...
و جاء ربُّك لفصل القضاء بين خلقه، و الملائكة صفوفًا صفوفًا، و جيء في ذلك اليوم العظيم بجهنم (عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم: يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها - رواه مسلم) لها تغيظ و زفير حتى تنصب على يسار العرش...
و دك الأرض، وتحطيم معالمها و تسويتها؛ وهو أحد الانقلابات الكونية التي تقع في يوم القيامة. و مجيء ربك والملائكة صفا صفا، و هو أمر غيبي لا ندرك طبيعته و نحن في هذه الآرض... و لكنا نحس وراء التعبير بالجلال و الهول ... كذلك المجيء بجهنم ... فأما كيفية ما يقع فهي من غيب الله المكنون ليومه المعلوم .
إنما يرتسم من وراء هذه الآيات، الشديدة الأسر، مشهد ترجف له القلوب، و تخشع له الأبصار ... و الأرض تدك دكا دكا! و الجبار المتكبر يتجلى و يتولّى الحكم و الفصل، و يقف الملائكة صفا صفا ... ثم يجاء بجهنم فتقف متأهبة هي الأخرى!
يومئذ يتعظ الكافر ويتوب، و كيف ينفعه الاتعاظ و التوبة، و قد فرَّط فيهما في الدنيا، و فات أوانهما؟
يومئذ يتذكر الإنسان تفريطه في الدنيا في طاعة الله، و فيما يقرّب إليه من صالح الأعمال و من أيّ وجه له التذكّر؟
ذلك الإنسان الذي غفل عن حكمة الابتلاء بالمنع و العطاء ... و الذي أكل التراث أكلا لمّا، و أحب المال حبا جما، و الذي لم يكرم اليتيم، و لم يحض على طعام المسكين، و الذي طغى و أفسد و تولى، يومئذ يتذكر ... يتذكر الحق و يتعظ بما يرى . . و لكن لقد فات الأوان "وأنى له الذكرى؟" . . و لقد مضى عهد الذكرى، فما عادت تجدي هنا في دار الجزاء أحدا! و إن هي إلا الحسرة على فوات الفرصة في دار العمل في الحياة الدنيا!