مشكلة نعيشها كل يوم... و على كل المستويات، الفردية و الجماعية و المؤسسية... س1: ما هو رد الفعل؟
هو جواب لفعل متقدّم أو ردّ عنه أو تصويب له أو دحض له...
س2: ما هي علاقة ردود الأفعال بالدعوة الإسلامية؟
إنه مما ينبغي على الدعاة و العلماء؛ أن تكون أفعالهم و ردود أفعالهم:
وليدة أصول و ثوابت و تصوّرات واضحة راسخة لا تتزحزح ...و وليدة التأني و التفكير في العواقب ...
بدل الحماسة المفرطة التي توصل صاحبها إلى حد التهور أو الافتئات أو السطحية أو التطرف إفراطا أو تفريطا ...
و كلها تفضي بصاحبها إلى الهلاك ... و الأدهى أنها تفضي بالجمهور المتلقِّي إما إلى فهم خاطئ أو إلى انعدام ثقة...
==
و إليكم بعض النماذج و الصور لردود أفعال خارِجة عن الموضوعية و مجاوِزة لحدود القصد و الاعتدال ... أنقلها لكم من خبرة علماء و دعاة معاصرين...
==
يقول أ.د. عبد الكريم بكار حفظه الله (في كتابه: عصرنا: ملامحه و أوضاعه):
إن تعقُّد الحياة الراهنة جعل خبرات الناس غير كافية لإدراك طبيعة التحديات، و إدراك ما تستحقه من استجابات، مما يعني أننا سنرى المزيد من ردود الأفعال غير الراشدة، و غير المتزنة!
==
يقول الشيخ محمد حسان حفظه الله (في خطبه و ندواته):
إن الحق معنا، و إن الباطل مع غيرنا...
إن الحق معنا: لكننا لا نحسن أن نشهد لهذا الحق شهادة خلقية عملية على أرض الواقع، ولا نحسن أن نبلغ هذا الحق لأهل الأرض بحق...
و إن الباطل مع غيرنا: لكنه يحسن أن يـُلبس الباطل ثوب الحق، و يحسن أن يصل بالباطل إلى حيث ينبغي أن يصل الحق...
و حينئذٍ ينزوي حقنا و يضعف كأنه مغلوب، كما هو الواقع، و ينتفخ الباطل و ينتفش كأنه غالب، كما هو الواقع.
و هنا نتألم لحقنا الذي ضعفُ و انزوى، و للباطل الذي انتفش و انتفخ، فنـعـبر عن ألمنا هذا بصورة من صورتين لا ثالث لهما:
- إما أن نعبر عن ألمنا بصورة مكبوتة سلبية فنـزداد هزيمة نفسية على هزيمتنا و انعزالا عن المجتمع و العالم .
- و إما أن نعبر عن ألمنا هذا بصورة صاخبة متشنجة منفعلة، و أحيانًا دموية مـخزية، فيزداد أهل الأرض في الأرض بغضًا للحق الذي معنا و إصرارًا على الباطل الذي معهم، فنخسر الحق مرة بعد مرة، مع أننا على الحق ومع غيرنا على الباطل.
القضية أيها الأفاضل هي: كيف ندعو الناس؟ كيف نبلغ الحق لأهل الأرض بحق؟
==
يقول الشيخ سيد قطب رحمه الله (في كتابه: خصائص التصور الإسلامي و مقوماته):
إننا لا نستحضر أمامنا انحرافاً معيناً من انحرافات الفكر الإسلامي، أو الواقع الإسلامي، ثم ندعه يستغرق اهتمامنا كله، بحيث يصبح الرد عليه و تصحيحه هو المحرك الكلي لنا فيما نبذله من جهد في تقرير "خصائص التصور الإسلامي و مقوماته".. إنما نحن نحاول تقرير حقائق هذا التصور -في ذاتها- كما جاء بها القرآن الكريم، كاملة شاملة، متوازنة متناسقة، تناسق هذا الكون و توازنه، و تناسق هذه الفطرة و توازنها.
ذلك أن استحضار انحراف معين، أو نقص معين، و الاستغراق في دفعه، و صياغة حقائق التصور الإسلامي للرد عليه .. منهج شديد الخطر، و له معقباته في إنشاء انحراف جديد في التصور الإسلامي لدفع انحراف قديم .. و الانحراف انحراف على كل حال !!!
و نحن نجد نماذج من هذا الخطر في البحوث التي تكتب بقصد "الدفاع" عن الإسلام في وجه المهاجمين له، الطاعنين فيه، من المستشرقين و الملحدين قديماً و حديثاً، كما نجد نماذج منه في البحوث التي تكتب للرد على انحراف معين، في بيئة معينة، في زمان معين!
يتعمد بعض الصليبيين والصهيونيين مثلاً أن يتهم الإسلام بأنه دين السيف، و أنه انتشر بحد السيف.. فيقوم منا مدافعون عن الإسلام يدفعون عنه هذا "الاتهام"! و بينما هم مشتطون في حماسة "الدفاع" يسقطون قيمة "الجهاد" في الإسلام، و يضيقون نطاقه و يعتذرون عن كل حركة من حركاته، بأنها كانت لمجرد "الدفاع"! - بمعناه الاصطلاحي الحاضر الضيق! - و ينسون أن للإسلام - بوصفه المنهج الإلهي الأخير للبشرية - حقه الأصيل في أن يقيم "نظامه" الخاص في الأرض، لتستمع البشرية كلها بخيرات هذا "النظام".. و يستمتع كل فرد - في داخل هذا النظام - بحرية العقيدة التي يختارها، حيث "لا إكراه في الدين" من ناحية العقيدة .. أما إقامة "النظام الإسلامي" ليظلل البشرية كلها ممن يعتنقون عقيدة الإسلام و ممن لا يعتنقونها، فتقتضي الجهاد لإنشاء هذا النظام و صيانته، و ترك الناس أحراراً في عقائدهم الخاصة في نطاقه، و لا يتم ذلك إلا بإقامة سلطان خير و قانون خير و نظام خير يحسب حسابه كل من يفكر في الاعتداء على حرية الدعوة و حرية الاعتقاد في الأرض!
==
حدثنا بعض الإخوة المعتقلين السياسيين:
أنه قابل في أثناء التحقيقات (فلاناً) الذي أثار ارتداده عن الإسلام ضجة مفتعلة و أكبر من حجمها، لدرجة أن وزيرة الخارجية الأمريكية علقت على موضوعه أمام أكبر مسئول في بلدنا!
قابله فسأله عن مشكلته، فأجاب قائلا: أن كان فتى سعيدا في أسرته، و أن والديه كانا من المترفين الذين يقضون أوقات فراغهم و عطلاتهم في أوروبا على سبيل السياحة و الرفاهية... ثم إذ بهما فجأة ... يلبس أبوه لباسا أبيض و تلبس أمه لباسا أسود! فتتغير له الدنيا و تتغير معاملتهما له و تتحول تصرفاتهما دون سابق إنذار!
ثم بعد أن اعتاد الأمر قليلا ... كان يسألهما: ما الحكمة من الصيام؟ و لماذا نصوم؟ فكان ردهما: حتى يحس الأغنياء بالفقراء، فيعود يسأل: فلماذا إذن يصوم الفقراء؟! فيتجهمان و يغلظان له القول أن افعل ما تؤمر بلا أسئلة و بلا إقناع...
فصار يكره هذا الأمر... و من ثم تردد على مشايخ و وعاظ يسألهم أسئلة مشابهة فيتلقى ردودا مشابهة و أن من يسأل مثل هذا يصير كافرا...
فقال في نفسه (ثم على الملأ فيما بعد): بسيطة.. أنا كافر إذن!
==
ردود الفعل العجيبة و الفتاوى المريبة من شيوخ كبار ... مصيبة:
الفتاوى الرسمية بإباحة ربا البنوك و التي يعلم الجميع -إلا ما نَدُر- أن الشيخ (فلان) كان يفتي قبل توليه لهذا المنصب بحرمة التعامل مع البنوك الربوية، سواء أيام كان يعمل في السعودية أو في مصر، ثم أصدرت تلك الفتاوى مؤخراً و اتهم فيها من يحرم ربا البنوك بالجهل -في تصريح له!- و هم عامة علماء الأمة المعتبرين من الأحياء و الأموات من فقهاء الشريعة، و فقهاء الاقتصاد، بل و رجال القانون الذين يُوَصفون تعامل البنوك بأنه قرض و لكن يبيحونه من جهة القانون الوضعي لا من جهة الشرع الإسلامي الحنيف.
ولو أن الشيخ كلف نفسه بالرجوع لأهل التخصص من الفقهاء أو خبراء الاقتصاد لمعرفة التوصيف العلمي لعمل البنك، و لمعرفة الجانب المدمر للاقتصاد الربوي، الذي لا يتصور ألبتة موافقته للشرع؛ لأنه من صنع اليهود ونشأ في غير بلاد المسلمين؛ ولذلك لا يتصور عقلاً أن تراعى فيه الحدود الشرعية، فلا عجب و لا غرابة أن يتفق العلماء على أنه من الحرام البيِّن و ليس من الشبهات فقط منذ زمن بعيد و هو قول جميع المجامع الفقهية و لجان الفتوى في العالم العربي و الإسلامي؛ و منها:
- مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف...(قبل أن يترأسه الشيخ (علان)!)، أحد أكبر الهيئات المرجعية في العالم الإسلامي وهو أحد إدارات الأزهر الشريف، و يضم خيرة علماء مصر و العالم الإسلامي (50 عضوا)...
- المجمع الفقهي الإسلامي... و هو هيئة علمية إسلامية ذات شخصية اعتبارية مستقلة منبثقة عن رابطة العالم الإسلامي، مكونة من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية و علمائها (30 عضوا)...
- مجمع الفقه الإسلامي الدولي، المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، الذي يضم علماء (55) دولة، و فيه أكثر من 100 خبير في جميع التخصصات من خبراء الاقتصاد و القانون و الفقه...
- مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا... و هو مؤسسة علمية غير ربحية تتكون من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية و علمائها (40 عضوا)، تسعى إلى بيان أحكام الشريعة فيما يعرض للمقيمين في أمريكا من النوازل و الأقضيات...
- اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء منبثقة عن هيئة كبار العلماء بالسعودية، تضم أكثر من (40 عضوا) من كبار علماء و فقهاء و قضاة المملكة العربية السعودية ....
!!!
و للحديث بقية إن شاء الله...