==================================
] للمتخصصين و الباحثين في قضايا الاقتصاد، ينصح بقراءة الهوامش أدناه [
==================================
س1- هل سيكون من الأفضل عند صاحب رأس المال -و ليكن 100,000,000 (مائة مليون) جنيه-:
(أ) وضع ماله لدى بنك مقابل نسبة محددة مسبقاً -و لتكن 5% ربحاً سنوياً-، أو ...
(ب) استثمار ما لديه من مال في مشروع قد يحقق ربحاً يصل إلى 10% أو أكثر سنوياً، مع احتمال خسارة قد تصل إلى النسبة نفسها للربح المتوقع، أو أكثر، أو قد تجتاح المال كله؟
س2- البنك حين يستلم ذلك المبلغ؛ كيف سيستغله كي يضمن تسديده لتلك النسبة؛ لأنه قد ضمنها لذلك المودع أو المقرض، أو المستثمر! من قبل؟
أريد جواباً يتفق مع رغبة غالبية أصحاب رأس المال، و الذين وصفهم كبار الاقتصاديين بعبارتهم المشهورة (رأس المال جبان)، كما أرغب في جواب لا يأخذ الاعتبارات الشرعية بالحسبان على أهميتها، بل لا أهمية لغيرها، إلا أنني أريد ما نستطيع به مجادلة أصحاب الرأي الآخر بأسلوب لعله يكون أجدى...
ج1- نعم سيكون الاختيار الأنسب هو الحصول على الربح المضمون و لو قلّ؛ لأنهم سيجدون أنفسهم أكثر اطمئناناً.
ج2- و بعد ذلك سيقوم البنك بالأمر نفسه، و سيلجأ إلى وضع المبلغ لدى جهة أخرى: بنك -و هو المفضل هنا- أو غيره، تقوم بدفع نسبة أعلى؛ ليصبح الفرق ربحاً لصالح البنك الأول، و هكذا.
و لا بد تقودنا هذه السلسلة في النهاية إلى مستثمر يقبل تحمل عبء مغامرة يدخلها مع احتمال الخسارة و الربح، غير أنه مدين لتلك الجهة المقرضة بمبلغ تزيد نسبته حسب حظه، و مدى طول السلسلة التي وصلت بالمبلغ إليه.
مع العلم بأن تلك الجهة المقرضة مضطرة للتساهل مع ذلك المستثمر من حيث الضمانات، نظراً لرغبتها الشديدة في تحويل العبء عنها، خصوصاً حين لا تجد من الجهات الاقتصادية البنوك من يعطيها هامشاً مناسباً للربح، فيكون ذلك المستثمر و بشروط سهلة هو ملاذها، و هو من سيقبل دفع تلك النسبة بهامش مفيد، و لنقُل: بلغ ما سيدفعه المستثمر 9% سنوياً [8].
رجل يملك 100,000,000 (مائة مليون) جنيه، سيضمن 5% ربحاً سنوياً من ذلك البنك، و البنك سيعطيها بنكاً آخر بنسبة 7% سنوياً، و هذا سيعطيها مستثمراً بنسبة 9% سنوياً، و المستثمر في أحسن الأحوال [9] سيقوم بتأسيس صناعة في مجال من المجالات، و لنفترض هنا أنه قام بعمل مصنع متكامل للسجاد نسأل الله تعالى له التوفيق.
و السؤال الآن: كيف سيكون سعر تلك السلع التي يقوم المستثمر ببيعها؟
للإجابة نفرض أن تكلفة التصنيع تبلغ 10 جنيهات للمتر، و نجعل 35% مصاريف عمومية و إدارية، حين يقر مجلس الإدارة تلك النسبة؛ أي ستصبح تكلفة المتر 13.5 جنيهاً، و هامش الربح الذي قرره مجلس الإدارة 50% من سعر التكلفة؛ أي سيكون البيع بـ 6.75 + 13.5 = 20.25 جنيهاً، هذا هو المقرر، و لكن المستثمر تواجهه مشكلة خدمات الدين، و هي ما نسبته 9%، و لهذا سيتم وضعها ضمن هامش الربح أو ضمن تكلفة المتر النهائية، و هو ما سيكون 1.2 جنيه تقريباً قبل وضع هامش الربح؛ و لذا سيزيد سعر المتر بالمقدار نفسه ليصبح 21.5 جنيهاً تقريباً.
هذا سعر البيع المناسب للمستثمر؛ فهل هو السعر الذي سينزل إلى السوق؟
الجواب: لا؛
(طريقة التسعير الأولى) لأن المستشار الاقتصادي للشركة قد أخذ بمبدأ الاحتياط من وجود كساد و نحوه من الطوارئ، و هو ما جعل سعر المتر 60 جنيهاً.
لـمــاذا؟
لأنه سيكون مضطراً لتحميل كل متر سيتأخر بيعه عن عام ما نسبته 9% على الأقل، و هي خدمات ذلك الدين، و عند وجود تأخير في بيع شيء من بضاعته لن يتقبلها السوق إلا بعد وضع تخفيض (خصم) جيد عليها باعتبارها بضاعة قديمة، و هكذا في كل متر يتأخر بيعه، بينما سعر تكلفته يزيد على الأقل 9%؛ فكيف سيكون التخفيض (الخصم) على شيء ستزيد كلفته مع الأيام، فكان المخرج هو جعل سعر البيع للمتر الجديد 60 جنيهاً؛ ليصبح التخفيض (الخصم) على البضاعة القديمة لعامٍ واحد 50%؛ أي 30 جنيهاً، و لعامين 60% مثلاً؛ أي 24 جنيهاً للمتر، و هكذا تقل آثار تراكم خدمات الدين [10]. و الملاحظ هنا أن المتضرر من الغلاء الشديد هو المستهلك.
(طريقة التسعير الثانية) كما لا بد من ملاحظة أن بعض المستثمرين سيلجأ إلى أمر آخر، و ذلك عندما لا يحبذون النزول إلى السوق بسعر عال منذ البداية، ذلك عندما توجد منافسة في المجال نفسه، فعندها سيكون سعر البيع مماثلاً لما ينبغي أن يكون عليه الأمر، و هو في مثالنا 21.5 جنيهاً، و لكنه سيضطر إلى رفع مستمر للسعر آخذاً بالحسبان خدمات الدين للبضاعة التي لم يتم بيعها [11]؛ ليصير عبئاً تتحمله البضاعة الجديدة، و هو ما نراه في معظم الحالات اليوم، و هو ما يعد شيئاً يسيراً و لكنه لا يلبث أن يتفاقم و يضر بالمجتمع، و هو ما يعني وجود تضخم مستمر [12] قد لا تظهر آثاره قريباً، و لكن عند وجود أقل طارئ يجد الناس أنفسهم أمام أموال عظيمة مهدرة [13]؛ لأنه بحَسْب المستثمرين سداد خدمات ديونهم، أما الديون نفسها فهم لا يقدرون على سدادها في غالب الحالات.
و لو أرادوا فلن يكون إلا على حساب إغلاق أبواب كثير من الشركات، و لهذا وقعت النمور الآسيوية في شر عظيم، عندما طلب بعض المقرضين [14] الحصول على أموالهم و إلا فهم سيعلنون أن الاقتصاد هناك لا يوثق به [15]، فقامت البنوك بطلب سداد الديون من المستثمرين، و هو ما لم يحدث، فرفعت قضايا حقوقية قضائية في هذا الخصوص، و تم بيع شركات كبيرة بأبخس الأثمان [16]، بعد إعلان إفلاس كثير منها، و تم تسريح ألوف من الناس من أعمالهم؛ لأن الآلية التي تعمل بها تلك الشركات لم تكن لتستطيع المنافسة لو وضعت في خطتها سداد الدين، فلم يكن عند معظمها سوى آلية لسداد خدمات الدين، فعندما اضطرت البنوك لسداد مبالغ كبيرة لبعض المستثمرين أغلقت أبوابها، و سرحت موظفيها، و مثلها كثير من الشركات، لتظهر بسبب ذلك مأساة البطالة مع ما تجلبه من ويلات و فساد...
فكم من إنسان خسر عمله بسبب ما يسمى بسعر الفائدة؟! فهو كما ظهرت مسؤوليته عن التضخم -و هو ليس ينفي وجود عوامل أخرى إلا أنني أجادل في جعل هذا من أهم عوامل التضخم- تظهر الآن مسؤوليته عن خسارة كثيرين لأعمالهم، بل عدم وجود أعمال أصلاً -و كذلك هنا أقول: ليس هذا ينفي وجود عوامل أخرى، إلا أنني أجادل في جعل هذا من أهم عوامل البطالة-، و هو ما يعني مزيداً من الفقر و الجوع، و من ثم الجريمة والفساد [17].
__________
(8) في كثير من الحالات نجد الدول في ذلك الموقع البائس، فمثلاً قبلت تركيا الاقتراض من البنوك المحلية لديها، بل والخارجية، بنسبة مضمونة قدرها 70%!!، والسؤال هنا: من سيتولى الدفع؟ ومن المستفيد من هذا الدين أصلاً؟ ثم لو لم تقدر الدولة على دفع خدمات الدين؛ فما مصير حقوق الدائن الأول، ومن سيعطيه حقه أي رأس المال ولو بدون تلك النسبة؟ وما أثر ذلك على رؤوس الأموال بصفة عامة؟ وما هي الضغوط التي ستمارس على الدولة كي تلتزم على الأقل بدفع خدمات الدين؟ ومن الذي سيدفع فاتورة تلك الضغوط؟ إن التبعة بكل ثقلها سيتحملها صغار أصحاب رأس المال، وسائر ذوي الدخول المحدودة، بل و من لا دخل لهم أصلاً، على صورة ضرائب لا نهاية لها، وبصور شتى لا تكاد تصدق؛ مما ينشر الرشوة للتهرب من الضرائب، ولإسقاط كل ما يمكن التحايل لإسقاطه من تلك الإتاوات، وسيزداد الفقير فقراً، وسيعم البلاء، ويقع الناس في يأس شديد، وستضعف العملة وتقل قوتها الشرائية، وستزداد الأثمان زيادة لا يتحملها الناس، والنتيجة ثورة على كل شيء، وهنا تتدخل الدول الكبرى والبنك الدولي للمزيد من القروض، وللمزيد من البلاء، وهو حل ليس أكثر من مسكِّن، ولا صلة له بعلاج الداء، لا يلبث الألم بعد قليل أن يعود، وستتدخل تلك الجهات، ليس لأنهم يقدرون الموقف ويرحمون الفقراء، لا هذا ليس مهماً، بل تدخلهم من أجل عدم انهيار النظام؛ كي يستمر التدفق للسداد ولو بأقل مما كان متوقعاً؛ لأن الاستمرار خير من الانقطاع، وسيعمدون إلى حيلة أخرى يسمونها (إعادة جدولة الديون)، وهذا ما يفسر تدخل البنك الدولي قبل انهيار كثير من النظم، إلا عندما يضمن قيام نظم أخرى أكثر تقبلاً لشروط البنك الدولي، ولسنا بعيدين عن أزمة الحكومة الإندونيسية التي أطاحت بسوهارتو، ثم جاءت بحكومة تقبلت وصفة البنك الدولي؛ مما لم يجعل الأمور تقل سوءاً بل تزداد، ولسنا نبعد عن الأزمة التي وقعت فيها الحكومة الأرجنتينية سوى أقل من شهرين لهذا العام 2002م، ولقد رفض البنك الدولي تقديم القروض؛ لأن الحكومة قررت عدم الاستمرار في دفع خدمات الدين وهو قرار صائب 100% وفضلت الحكومة الاحتفاظ بما لديها من عملة قوية لضمان حد أدنى من الكرامة للمجتمع؛ لأن كثيرين قد فهموا ما يرمي إليه ذلك البنك، بل وغيره من الجهات المقرضة، قال « مهاتير محمد » في كتابه (خطة جديدة لآسيا) ص 40: « لم يعد سراً اليوم إذا عرفنا أن صافي الأموال التي تتدفق من الدول المانحة إلى الدول النامية هي في المحصلة النهائية لا شيء،،، لأن الثروة التي تخرج من الدول النامية أكثر بكثير من تلك التي تدخل إليها، وأكثر من ذلك؛ فإن الدول المانحة تتوقع من الدول المستفيدة أن تدين لها بالولاء والطاعة؛ إذ إن المستفيد من الدعم غير مسموح له بالكلام، أو توجيه النقد،،، ومع كثرة القروض التي حصلت عليها (الدول في إفريقيا) من الغرب؛ فإن الفوائد على هذه القروض تأخذ الجزء الأكبر من ميزانيات تلك الدول، ورغم أن الهدف المعلن هو جعل هذه الدول تنعم بالثراء؛ فإن غالبيتها أصبحت أكثر فقراً » أهـ، وأقول هنا: لتطمئن الدول المدينة؛ لأنها مهما بلغت من الفساد، ومن الفوضى؛ لن يتمكن المجتمع من تغييرها بالقوة؛ لأن رأس المال وراء استمرارهم في الحكم كي يستمر التدفق في السداد باعتبار الدول أفضل مستدين؛ لأن الفاتورة تسجل على الجميع، وليس الجميع مسؤولاً عن توقيعها، إن المسؤول عن توقيعها هم أولئك القلة التي تعبث بالوطن وأهله، وفي النهاية ليسوا من سيدفع، حتى إن تم تغييرهم بطرق ثورية، أو حتى ديمقراطية!!
(9) هذا أضربه مثالاً، وإلا فأغلب المستثمرين يلجؤون إلى تجارة العملة، قال « مهاتير محمد » في كتابه الرائع (خطة جديدة لآسيا) ص183: « فتجارة العملة كما يقال: هي أكبر عشرين مرة من ناحية النقود من تجارة السلع، والخدمات، ولكن ما هي المزايا والفوائد التي نحصل عليها منها؟ بخلاف عدد قليل من الأشخاص الذين يكسبون مبالغ مالية ضخمة؛ فإنها لم تحدث أية زيادة في معدلات التوظيف، أو نمو في النشاط التجاري، أو في ثروات الأمم والشعوب » أهـ.
(10) وفي الواقع ليس الأمر على هذا النحو تماماً إلا أنه تقريب لا بأس به، يسهل فهم تلك التعاملات.
(11) تجدر الإشارة هنا إلى أن الشركات تقوم بعمل حساباتها لتسديد خدمات الدين فقط، وليس من برنامجها سداده قط هذا غالباً، ولذلك عندما توجد أزمات يحتاج فيها الناس لاسترداد نقودهم فهم لن يجدوها.
(12) انظر بحثاً قيماً لهذه المسألة في رسالة الدكتوراه المقدمة من الدكتور « أحمد حوَّا » بعنوان: (صور التحايل على الربا، وحكمها في الشريعة الإسلامية)، قال ص 57: « إن الفائدة سبب رئيس في ارتفاع الأسعار؛ حيث تدخل في عمق كل شيء يشترى، وذلك أن هذه الفائدة كلما ارتفعت أدى ذلك إلى زيادة تكلفة الاقتراض، وبالتالي تكلفة الإنتاج،،، يقول العبَّار: من أهم عيوب النظام النقدي المعاصر في الاقتصاديات الربوية،،، وجود خلل بين كمية النقود وكمية السلع والخدمات، وهذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، والذي يقود إلى ارتفاع سعر الفائدة، كمحاولة من الحكومة لامتصاص النقود من السوق، ولكن ارتفاع سعر الفائدة يؤدي بدوره إلى ارتفاع تكاليف السلع والخدمات؛ مما يؤدي إلى ارتفاع آخر في الأسعار، وهكذا تدور الدورة وتسبب مضاعفاتها » أهـ.
(13) قال الدكتور « محسن س خان » في بحث رائع نشر في مجلة الاقتصاد الإسلامي، المجلد التاسع، وعنوانه: (النظام المصرفي الإسلامي الخالي من الفائدة: تحليل نظري): « ويبين البحث أن النظام المصرفي الإسلامي قد يكون أكثر ملاءمة من حيث قدرته على التكيف مع الصدمات التي تنجم عن الأزمات المصرفية، واختلال عمل جهاز المدفوعات بالدولة، ويرجع السبب في ذلك إلى أن النظام الذي يقوم على الاشتراك في الملكية، والذي يستبعد أسعار الفائدة المحددة مسبقاً، ولا يضمن القيمة الاسمية للودائع، هذا النظام حين يواجه ظاهرة حدوث صدمات لأوضاع الأصول؛ يسمح بامتصاص هذه الصدمات فوراً عن طريق التغيرات في قيم الأسهم (الودائع) في حوزة الجمهور لدى البنك، ولهذا فإن القيم الحقيقية لأصول وخصوم البنوك في مثل هذا النظام ستكون متساوية عند كل النقاط الزمنية، أما في النظام المصرفي الأقرب إلى الطابع التقليدي؛ فإننا نجد أن القيمة الاسمية للودائع ثابتة؛ لذا فإن مثل هذه الصدمات يمكن أن تؤدي إلى تباعد بين الأصول الحقيقية من جهة والخصوم الحقيقية من الجهة الأخرى، وليس من الواضح، مسبقاً، كيف سيجري تصحيح مثل هذا الاختلال؟ وكم من الوقت ستستغرقه عملية التصحيح؟ وبعبارة أخرى؛ فإن هناك جموداً في النظام المصرفي التقليدي يمنع التكيف الفوري، وهذا الجمود يمكن أن يؤدي إلى احتمالات عدم الاستقرار » أهـ، ولقد بين خلال تلك الدراسة التي نشرها تفسيراً كافياً لكلامه الذي نقلته هنا، إلا أنني أوضحه بأسلوب آخر من خلال المثال الآتي: قام رجل بوضع مبلغ وصلت قيمته الاسمية إلى 100.000 جنيه، ونسبة الفائدة عليه 5%، ثم مرت الدولة أو البنك بأزمة لطارئ من الطوارئ حرب، أو أعاصير، أو نحو ذلك مما سبب الانهيار لكثير من المصانع المنتجة، وغيرها؛ مما أدى إلى عدم قدرة المستثمرين على الوفاء لتلك البنوك بسداد خدمات الدين فضلاً عن الدين نفسه، السؤال هنا: كم سيكون نصيب ذلك الرجل لدى ذلك البنك بعد مرور عام؟ سيكون 105000 جنيه، هذا حسب النظام التقليدي الربوي، في حين خسر البنك شيئاً كثيراً من أصوله، وسيكون مطالباً بسداد تلك المبالغ لمن وضعوا أموالهم لديه، وهو لا يستطيع ذلك؛ مما يؤدي إلى تدخل الدولة باعتبارها الضامن لتلك البنوك، أو تتدخل شركات التأمين المتخصصة في تأمين القروض البنكية، ولكن نظراً لكبر الأزمة وشدتها، عجزت الدولة عن الوفاء بتلك الأموال، وهو ما واجه شركات التأمين أيضاً، في حين بقيت القيمة الاسمية للدين 105000 جنيه، وهو مبلغ يطالب به ذلك الرجل تحسباً للظروف، وهو عازم على استرجاعه من البنك، ولكن البنك لا يستطيع؛ لأنه كما هو الواقع يوجد ألوف من المودعين ينتظرون استرجاع أموالهم، لوجود موجة من الهلع، وإقبال على سحب الأموال من البنوك، والبنوك لا تفعل شيئاً حيال ذلك، وهناك مودعون كبار من بنوك أجنبية، ورجال أعمال فوق العادة يطالبون بحقوقهم، والبنوك مكانك راوح، وما الحل عندها؟! قد يلجأ المسؤولون إلى تخفيض قيمة العملة إن لم يكن انهيارها هناك فلسفة ليس هذا محل شرحها تبين سبب اللجوء إلى تخفيض قيمة العملة في هذه الحالة، والمفيد هنا أنه حل تتحايل من خلاله الجهات المسؤولة عن الاقتصاد في البلد لتقليل القيمة الاسمية للمبالغ المطلوبة مقابل الاحتياطي من العملة الأجنبية وقد يلجأ المسؤولون إلى فرض الضرائب الباهظة، ويقللون النفقات والمعونات، وهو ما يؤدي إلى غلاء شديد؛ مما يزيد الأمر سوءاً، وهذا كله سنكون في غنى عنه في ظل الاقتصاد الإسلامي، كيف؟ لقد كتب الدكتور
« محسن خان » بحثه السابق ليثبت ذلك بطريقة رياضية؛ مستخدماً في ذلك الطريقة الحديثة، وهو متخصص في هذا الشأن، ويعمل مستشاراً في قسم البحوث لدى صندوق النقد الدولي، وملخص قوله: إنه في الاقتصاد الإسلامي لا يسمح بما يسمى سعر الفائدة؛ ولذا سيكون مَنْ وضع ماله لدى البنك أحد رجلين؛ إما شريك في البنك، شأنه شأن باقي المساهمين في البنك، وبالتالي له ربح حين يحقق البنك ربحاً، وبالتالي لديه مبالغ تعادل قيمتها الاسمية الأصول لدى البنك، وينقص نصيبه في تلك القيمة الاسمية على قدر النقص الذي عرض للبنك جراء تلك الطوارئ؛ لأنه شريك في الربح والخسارة، وعندها لن يطالب البنك بشيء يفوق ما يملكه البنك من أصول؛ لأن الأصول والخصوم هنا تقفان عند نقطة التعادل، وهي حين يكون الفرق بينهما (صفراً)، والرجل الآخر هو رجل لا يريد الدخول كشريك مع البنك، ولكنه يريد أن يعمل البنك كأمين يحفظ أمواله، وعندها يحق للبنك أخذ نسبة كأجرة حفظ، وهو ما يتفق مع مبادئ الاقتصاد الإسلامي؛ شرط أن تبقى نسبة الاحتياطي النقدي في هذه المعاملة وقد سماها د « محسن » في بحثه نافذة بنسبة 100%، وهو أمر قد أخذ به وأقره بعض كبار الاقتصاديين النقديين في أمريكا مثل: فيشر (Fisher-1945)، و سايمونز (Simons-1948)، و فريدمان (Friedman-1969)، وقريباً منهم كندلبرجر (Kindleberger-1985)، و كاريكن (Kareken-1985)، و جولمبي و منجو (Golembe & Mingo (1985))، على تفاوت بينهم في تفسيرهم لتلك المقترحات، إلا أنهم يضعونها، وهي تكاد تتفق مع نظرة الاقتصاد الإسلامي في هذا الصدد، ويحدوهم الأمل أن تحقق تلك المقترحات فرصة حقيقية لمواجهة أزمات اقتصادية عصفت بأواسط القرن الماضي وأواخره، حيث وجدوا في إلغاء سعر الفائدة، وفتح نافذتين للودائع البنكية؛ إحداهما للحفظ يكون الاحتياطي فيها بنسبة 100% مقابل أجرة حفظ، والأخرى مساهمة مع البنك بنظام المشاركة في حصص الملكية، الملاذ المناسب لمواجهة تلك الأزمات، قال الدكتور « محسن » في صدد هذه الجزئية نقلاً عن بعض من سبقت الإشارة إليهم، قال: « أثارت الأبحاث التي قدمها كندلبرجر Kindleberger - 1985، وكاريكن Kareken - 1985، وجولمبي ومنجو Golembe & Mingo - 1985 في مؤتمر نظمه بنك الاحتياطي الفيدرالي لسان فرانسيسكو، مرة أخرى، قضية احتمالات عدم الاستقرار في النظام المالي نتيجة لوجود جهاز مصرفي يعتمد على احتياطي جزئي، مع وجود تأمين رسمي على الودائع، وأشار كاريكن (1985م) وجولمبي ومنجو (1985م) إلى أن السبب وراء إسباغ أهمية خاصة على ظاهرة إخفاق البنوك (إذ تختلف عموماً عن حالة إفلاس شركة من الشركات) هو أثر ذلك على جهاز المدفوعات في الاقتصاد ككل، وبالتالي فإن ما ينبغي حمايته هو كفاءة عمل جهاز المدفوعات، ولا يشمل ذلك بالضرورة جميع عمليات الإقراض والاقتراض التي تقوم بها البنوك، ولذا يرى هؤلاء الكتَّاب أن تقوم الحكومة بفصل عملية تقديم خدمات المدفوعات عن خدمات الإقراض، وهو ما يعني في جوهره إنشاء النمطين المستقلين من البنوك اللذين تحدث عنهما سايمونز (1948م)، وسيكون جانب المدفوعات لدى البنوك أي أرصدة المعاملات مدعوماً بنسبة 100% بواسطة نوع ما من الأوراق المالية المأمونة؛ مثل أذونات الخزانة الأمريكية، بينما تترك الأنشطة الخاصة بالمحفظة الاستثمارية للبنك دون قيود، ولا تختلف أي من هذه المقترحات، كما لا يختلف ما اقترحه سايمونز، بشكل جوهري عن الأنظمة الإسلامية التي تُنفَّذ الآن في عدد من البلدان، على الأقل في جانب الإيداع، غير أنه ينبغي التأكيد في الوقت نفسه على أن الجهاز المصرفي الإسلامي يتطلب أكثر من ذلك، فهو يشترط أن تكون القروض والسُّلَف التي تقدمها البنوك أيضاً على أساس المشاركة في حصص الملكية » أهـ.
(14) ليست المعاملة هنا قرضاً على الرغم من أن أغلب من يتحدث عنها يعدها كذلك، غير أني أصنف المعاملة على نحو مختلف سيطلع عليه القارئ بعد قليل، وهنا إنما استخدم ذلك التعبير من قبيل المجاراة حتى يأتي التحقيق في هذا لاحقاً.
(15) قال « مهاتير محمد » في كتابه (خطة جديدة لآسيا) ص 87: « لقد وجهت انتقادات للمليونير والمستثمر الأمريكي » جورج سورس « في مناسبات عديدة؛ لدوره في انخفاض قيمة العملات الآسيوية، ولم يكن ذلك يقصد به قط الهجوم على » سورس « كشخص، ولكن » سورس « كان واحداً من تجار العملة المعروفين بالصراحة، وربما أكثرهم نفوذاً على نطاق العالم، والتجار مثله لديهم مسؤولية عظيمة؛ حيث إن الكلمة تخرج منهم يمكن أن يطال أثرها ملايين الناس، وللأسف؛ فإن هذه المسؤولية لم يتم الاعتراف بها فحسب، بل إن الأشخاص الذين يتجرؤون على الكلام ويتساءلون عن نفوذ تجار العملة يُدمغون بالهرطقة والخروج عن المسار المألوف » أهـ.
(16) وهو ما صرح به « مهاتير محمد » في الكتاب آنف الذكر، قال ص 89: « ومع استمرار الانهيار في أسعار البورصة، والعملات؛ فإن المستثمرين الأجانب أخذوا يتحركون ويدخلون المنطقة لجني الأرباح، ويجري شراء الشركات التي هي في حاجة ماسة إلى السيولة في كوريا الجنوبية، و إندونيسيا، والعديد من دول شرق آسيا؛ بأبخس الأسعار » أهـ.
(17) المزيد من الطلاق؛ لأن الحالة الاجتماعية تتأثر بالحالة الاقتصادية، فكم من بيت انهار بسبب عدم وجود عمل لمعيله، وكم من فتاة زلت لعدم وجود عمل؟ وكم من شاب واقع الزنا لأنه لا يجد عملاً، أو يجد ما لا يمكنه من فتح بيت، فتصير الفاحشة ملاذاً له؟ وكم،،، وكم،،،؟ ومن هنا نجد معنى آخر للحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده (5/225) من رواية عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلاَئِكَةِ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « دِرْهَمُ رِباً يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاَثِينَ زَنْيَةً »، وهو حديث قابل للتحسين.
__________________
المرجع: "دراسات في الشريعة: تأثير إلغاء سعر الفائدة في المجتمع (1/2)" مقال بمجلة البيان العدد 185- عدنان بن جمعان الزهراني. (باختصار و تصرف يسير، و يلاحظ أن هذا العدد كان في مارس - 2003م و لما يشهد الأزمة العالمية الحالية، فكيف لو شهدها!؟)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق