الأحد، مارس 29، 2009

سلسلة: الـربـا...حربٌ من الله - الحلقة الثانية: يعني إيه نقلل البطالة بإلغاء سعر الفائدة؟

==================================

] للمتخصصين و الباحثين في قضايا الاقتصاد، ينصح بقراءة الهوامش أدناه [

==================================

كيف ستُعالج مأساة البطالة؟

هناك جواب على طرف لسان كل اقتصادي يحدده قولهم: (على الدولة خفض سعر الفائدة)، حتى لقد لجأ البنك المركزي الأمريكي إلى جعلها 25,1% فقط [18]، في أوائل شهر نوفمبر عام 2002م؛ لمواجهة البطالة التي ارتفعت نسبتها كثيراً لديهم [19]، و بعض الدول جعلتها أقل من ذلك، و السؤال هو: لماذا لا يتم إلغاؤها ما دام وجودها يسبب البطالة، و علاج البطالة في تخفيضها؟

هناك أجوبة للاقتصاديين لست بصدد تفنيدها [20]، غير أنه من المناسب فهم العلاقة بين سعر الفائدة و البطالة، فهو أمر يوضح عاملاً من أهم العوامل المسؤولة عن وجود تلك الظاهرة.

تصوروا أنه قد تم إلغاء سعر الفائدة تماماً.

ما الذي سيفعله أصحاب رؤوس الأموال، و في مثالنا صاحب الـ 100,000,000 جنيه؟

سيقول بعضهم: لن يستثمر، بل سيفضل الاحتفاظ بالمال لديه.

أقول له: لا بأس؛ لكن عليه دفع 2.5% سنوياً للزكاة، يعني 25% من رأس ماله خلال 10 سنوات.

و هذا لن نجد من يقبل به مهما قلنا عن جبن رأس المال.

و لذلك سنجده صاحب ذلك المصنع للسجاد، و سيكفيه البيع بـ 21.5 جنيهاً للمتر، و البضاعة التي تتأخر لن يتحمل بسببها عبئاً جديداً سوى التخزين، و هو أمر لا يكاد يذكر في مثل هذه الحالة، و سيكون ممكناً له أن ينافس في كلا الحالتين، في الوقت الذي نجد العامل أكثر أماناً بسبب استقرار الوضع المالي لصاحب الشركة، و من ثم سيكون المجتمع أكثر استقراراً، و لن يكون ارتفاع الأسعار أمراً لا مفر منه، و سنجد الاستثمار في كل زاوية، و سيبدع أصحاب رؤوس الأموال في ابتكار أساليب لتثمير أموالهم [21]، و سيكونون دائماً في حاجة ليد عاملة، و هو ما يقضي على البطالة أو يحد منها على الأقل، و سيكون المجتمع في نمو مستمر و استقرار.

أهم ما يقوله بعض الاقتصاديين: إن نقص سعر الفائدة فضلاً عن إلغائه يؤدي إلى النقص في سعر العملة؛ مما سيؤدي إلى التضخم (غلاء السلع)، و ذلك بسبب كثرة المعروض من النقد [22]. و لا نجادل أن ذلك سيؤدي إلى تنشيط الاستثمار، و يسهم في تقليل نسب البطالة، إلا أنه يزيد في رغبة السوق في رفع الأسعار.

و أقول: لا بأس؛ لأن الغلاء حين يكون معقولاً يكون أقل سوءاً من البطالة، لكن الحديث عن هذا الأمر كما لو كان مسلّماً به غير صحيح؛ لأننا نستطيع مواجهة الغلاء من خلال الجهات التي تحمي المستهلك، و تعمل على استقرار الأسواق [23]، و السلاح الأهم هو توعية الناس و توجيههم للنفقة في أوجه البر، لا المبالغة في الرفاهية، و الأخذ بالكماليات، و علينا أن ندرك بأن حماية أمتنا في اقتصادها ليس يكمن في إلغاء سعر الفائدة فقط على أهميته، بل من خلال فهم شامل للإسلام و نظرته إلى الحياة، (مما سنوضحه في حلقات لاحقة بإذن الله)...

إننا نستطيع أن ندير 1000,000,000 (مليار) جنيه من خلال 10 أشخاص فقط، ليحركوها كيف شاؤوا، و لكن لو أراد صاحبه النزول إلى السوق مباشرة و الاستثمار فيه، فهو يحتاج لتشغيله إلى ما لا يقل عن 1000 رجل، يزيدون أو ينقصون، و هم إلى الزيادة أقرب؛ لأننا في الحالة الأولى يمكن جعلها في ديون أخرى أو نحو ذلك، مع وجود عبء على المبلغ [24]، لكن عند النزول المباشر سيتركز النشاط ضمن حدود ما يرغب المستثمر بذاته، مع عدم وجود عبء سوى ما لا بد منه ليتحرك المال في تلك العملية الاستثمارية.

الذي ذكرته من قبل لم أتعرض فيه إلى الجانب النفسي الذي يعكسه سعر الفائدة، و يطبع به كثيرين من أبناء مجتمعنا، نعم! و دون مزيد من الشرح؛ إنه يوجد تلك الشخصية التي تنعدم لديها روح المغامرة الشرعية، و هو الأمر الذي تبعث عليه الزكاة؛ لأن رأس المال سيقرر الدخول في مغامرة شرعية (استثمار)؛ لأنه إذا لم يفعل سيدفع 2.5% سنوياً لصالح الفقراء، و سيجد نفسه أمام طريقين؛ إما الاستثمار مع ما فيه من مخاطرة شرعية أو تقبل نقص 2.5%، و هي نسبة الزكاة.

و كثيرون سيقررون الدخول في الطريق الأول؛ لأن الإنسان يحب الزيادة بطبعه.

الغريب هنا أننا سنرى صاحب المال في الطريق الأول (الاستثمار) يفيد المجتمع فوق تلك الفائدة التي تجلبها الزكاة حين يقرر سلوك الطريق الثاني، و هذا سر بديع للتشريع الإلهي؛ فطبيعة حب الزيادة (و سمها لو شئت طمعاً)، و هي في نفسها سوء و مقت، هي التي حملت المرء على طريق يظنه يحقق ما تمليه عليه تلك الطبيعة، إلا أنه سار عكسها تماماً و هو لا يشعر، فأخذ منه المجتمع أكثر بكثير مما تأخذه الصدقة، لقد أخذت تلك الطبيعة 100% من رأس المال ليصبح كله في يد المجتمع، من خلال ذلك الاستثمار، فاتضح بذلك سر بديع للتشريع الإلهي، إنها طبيعة سيئة حركها الشرع ليرى الناس منها خيراً كثيراً من حيث لا تشعر.

__________

(18) وهو أقل ما تم تسجيله منذ 41 عاماً، انظر:

http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/business/newsid_2414000/2414007.stm

(19) حيث وصلت إلى 5.7، وهي مرشحة لتصل إلى 6.4، انظر: موقع جريدة الوطن:

http://www.alwatan.com/graphics/2002/10oct/18.10/heads/et6.htm

لمقال كتبه « جاي هانكوك »، كاتب عمود في الشؤون المالية في صحيفة الصن خدمة (لوس أنجلوس تايمز - واشنطن بوست)، لكنني لست متأكداً من صحة هذا التقدير الذي قدمه الكاتب، كما أنه أقر بوجود خلل في الإحصاءات المعلنة من قبل الحكومة الأمريكية، ويزداد الشك لدى قراءة تقرير عن عدد من يعيشون تحد خط الفقر في أمريكا؛ حيث قدر بـ 33 مليون شخص، انظر:

http://arabic.peopledaily.com.cn/200209/26/ara20020926_57887.html

وهو يعادل 13% من عدد السكان، فهل يصح تصور أن 5.7% هي النسبة الفعلية للبطالة مع وجود هذه النسبة العالية من الفقر؟!.

(20) يقولون: إن وجود سعر الفائدة يساعد على وجود آلية تتحكم في التضخم، وآلية يستفاد منها في تنشيط الاستثمار أو الحد منه؛ من خلال تحديد مستوى قوة العملة، كما يساعد على وجود معدلات مناسبة من البطالة لمواجهة الإضرابات العمالية، كما له فوائد أخرى، إلا أننا في الواقع نجادل في صحة كل ما يقال عن فوائد وجود سعر الفائدة، ونجزم بوجود آليات أخرى أكثر ملاءمة تحقق الانضباط المطلوب في جميع تلك الحالات، خصوصاً مع ما شهده مفهوم الدولة من تبدل؛ حيث صارت الدولة يعبر عنها بـ (دولة الرعاية)، وليس مجرد (دولة الحماية) كما كان وضعها من قبل، ولذلك ليس كافياً الحديث عن إلغاء سعر الفائدة دون الاهتمام البالغ بمفهوم شامل لتصور الشرع الحنيف للاقتصاد الإسلامي، فهو منظومة متكاملة من خلالها يتحقق الإصلاح الاقتصادي، قال « محسن خان » في بحثه الذي سبقت الإشارة إليه: « وبشكل عام؛ فإن اصطلاح (الاقتصاد الإسلامي) يعني نظاماً كاملاً يحدد أنماطاً محددة من السلوك الاجتماعي والاقتصادي لكل الأفراد، فهو يتناول مجموعة واسعة النطاق من القضايا، مثل: حقوق الملكية، ونظام الحوافز، وتخصيص الموارد، وأنماط الحرية الاقتصادية، ونظام اتخاذ القرار الاقتصادي، والدور الملائم للحكومة، والهدف الأعلى للنظام هو العدالة الاجتماعية، وتحقيق أنماط محددة لتوزيع الدخل والثروة، وبالتالي فإن السياسات الاقتصادية ينبغي أن توضع لتحقيق هذه الغايات، وبالإضافة إلى قضية سعر الفائدة؛ فإن الاقتصاد الإسلامي يوفر أيضاً مبادئ توجيهية دقيقة حول بعض القضايا الأخرى، مثل: السياسة الضريبية، وتوجه النفقات الحكومية، ويتوقع من المصارف الإسلامية أن تشارك بشكل إيجابي في تحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي، وبالتالي ينبغي أن يكون عمل البنوك الإسلامية متسقاً مع المعتقدات والقيم الإسلامية » أهـ.

(21) وهو ما ستفعله البنوك حالتئذ، وهو ما يشير إليه الدكتور « محسن خان » في دراسته التي سبقت الإشارة إليها، ستصبح البنوك شريكاً مضارباً له حق الإشراف المباشر على مشاريع المستثمرين، وستقوم بدورها الكبير في تشجيع الاستثمار؛ لأنها كما أريد لها أن تكون مستودع الثروة، بل سوف تمارس الاستثمار بنفسها، وستجتهد في توسيع دائرة الاستثمار قدر طاقتها.

(22) لأنك عندما لا تستفيد منه لدى بقائه في البنك فستنزل به إلى السوق؛ مما يوفر النقد بأيدي الناس، والعرض إذا لم يقابله طلب مناسب أنقص من قيمة المعروض.

(23) والخدعة التي يسمونها باقتصاد السوق؛ ليست سوى بضاعة نفقت عندنا، وهم يواجهون غلواءها بكل حيلة يستطيعونها، فانظر إلى أحزاب اليسار ويسار الوسط عندهم وهي تلك الأحزاب التي تقف في مواجهة رأس المال، وتبحث عن أفضل السبل لحماية الطبقات العمالية ونحوها نعم، ترى تلك الأحزاب تؤثر في قرارات الحكومات المحافظة وهي في الغالب يمينية رأسمالية؛ مما يعني حماية المستهلك، وسائر الطبقات في المجتمع، بل نجد تلك الأحزاب اليسارية تسيطر على دفة الحكم في كثير من تلك البلاد، حتى صارت أحزاب اليمين تنزع إلى اليسار، والعكس في أحزاب اليسار حيث صارت تنزع إلى اليمين، وهي محاولات منهم لاستقطاب الأصوات لصالحهم؛ حتى لقد يصح تصنيف بعض أحزاب اليسار من يمين الوسط، وكذلك بعض أحزاب اليمين من يسار الوسط، ضمن سياق أسميه الأحزاب الاشتراسمالية، مثل حزب العمال البريطاني، فهو حزب يساري تخلى عن كثير من يساريته لصالح رأس المال، ولكن ليس في غياب لحقوق الطبقات الأخرى، قال د.منير الحمش في قراءة مميزة (للجوانب الاجتماعية للإصلاح الاقتصادي)، وهي محاضرة ألقاها ضمن فعاليات جمعية العلوم الاقتصادية السورية، قال: « وربما يكون من المفيد أن نمر على عجل، بمنطلقات ما دُعي «الطريق الثالث» الذي وصفه  «توني بلير» (رئيس الوزراء البريطاني) بأنه  «ديمقراطية اجتماعية حديثة» ؛ مشيراً إلى أنه ليس حلاً وسطاً بين اليسار واليمين، فهو يسعى إلى تبني » قيم أساسية للوسط، والوسط اليساري «، ويعتقد » أنطوني جيدنز «، وهو المنظر البريطاني للطريق الثالث، ويعتبر بمثابة المرشد الروحي لـ » توني بلير « أن » الديمقراطية الاجتماعية تستطيع، ليس فقط أن تعيش، ولكن أيضاً أن تزدهر على المستوى الإيديولوجي، وكذلك على المستوى العملي «، وهو إذ يرى » موت الاشتراكية «، وبأنه لم يعد هناك بدائل للرأسمالية؛ فإنه يرى بأن » ينبغي أن نسيطر على الرأسمالية وننظمها «، ويرى هنا أنه يقع على عاتق الديمقراطيين الاجتماعيين اتخاذ رؤية جديدة في صلب المجال السياسي، ويدعو إلى أخذ فكرة » الوسط النشط « أو » الوسط التقدمي « على نحو جدي، وتجديد الديمقراطية الاجتماعية، والتي تظل العدالة الاجتماعية وسياسة الانعتاق في صلبها؛ لذا فهو يركز على المشاركة في الجماعة الاجتماعية الأوسع » أ هـ.

(24) وهذا صحيح؛ لأنهم سيأخذون المبلغ على أساس سعر للفائدة متفق عليه، وسيجمد الاحتياطي النظامي للمبلغ، وهو على الأقل ما يعادل 20% من المبلغ، وسيقومون بدفع المتبقي كقرض لطرف ثالث يعطيهم هامش ربح مناسب كما سبقت الإشارة، ولكنه سيحتفظ بمبلغ 20% كاحتياط، وهو ما يعني 38% تقريباً من أصل المبلغ، وهو ما كان مدخراً كاحتياطي نظامي للمعاملتين، وتصور لو ذهب إلى طرف رابع، فهذا يعني مزيداً من الاحتياط، فلعلنا نصل في النهاية إلى مجرد 100,000,000 جنيه مستثمرة فعلاً، ونراها قد نزلت إلى السوق، وهو ما يعبر عن 10% من أصل المبلغ (مليار)؛ ما السبب؟ إنه سعر الفائدة، ورغبة كل مقترض أن يحصل على الفائدة بالقدر نفسه من الضمان، والله المستعان، لقد حرم الناس من المنافع الكثيرة التي كان من الممكن الحصول عليها من هذا المال بسبب سعر الفائدة،،

ملاحظة: إنما أردت هنا تحديد المبلغ الفعلي والسيولة الحقيقية التي يتسنى الانتفاع بها من النقد في السوق لدى وجود أي طارئ، وإلا فحين ننظر إلى ما يطلق عليه الاقتصاديون (الودائع المشتقة) فالأمر مختلف؛ إذ وجود 1,000 جنيه مثلاً يعني نزول 4,161 جنيهاً إلى السوق خلال ثماني عمليات من الإقراض، ولكنها ليست أكثر من قيود دفترية لا تصمد أمام مطالبة ذلك العدد من المقترضين؛ مما يسرع في سريان الانهيار للاقتصاد كله لأقل هزة؛ لأن الاحتياطي القانوني لن يتمكن من مواجهة هذا الطلب الوهمي؛ لأنه لن يحقق تغطية مناسبة لتشمل (الودائع المشتقة) ولو بضمان أعلى نسبة لعلها تصل إلى 20%، كما هو الافتراض هنا، والله المستعان، وحديثي كان منصباً على تحديد المبلغ الفعلي الذي سيتمكن الناس من تسييله ضمن السياق الذي سبق شرحه في عملية استثمارية حقيقية.

__________________

المرجع: "دراسات في الشريعة: تأثير إلغاء سعر الفائدة في المجتمع (1/2)" مقال بمجلة البيان العدد 185 - عدنان بن جمعان الزهراني. (باختصار و تصرف يسير، و يلاحظ أن هذا العدد كان في مارس - 2003م و لما يشهد الأزمة العالمية الحالية، فكيف لو شهدها!؟)

 

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

The only think I can tell you is Barak Allah feek, and Bravo.

I have been thinking of thoughts similar to yours for so long, but have been too lazy to write them down.
The reason for the global economic meltdown is "Ribah." Interst rates are at the heart of any economic activity and it is haram as it allows people to make money on money, and sometimes make money on money that they do not even have or own. It causes excessive concentration of profits in the financial sector, and eventual denial of these funds to other productive sectors. The financial sector keeps growing, and its fragility eventually affects the whole economy. Teh idea of building an economy around short-term, certain, liquid liabilities, against long-term, uncertain, illiquid assists like in the traditional banking model was a huge mistake. We all could have avoided this mistake if we apply what is in Quraan and not deal in Ribah.

So many people do not know that they can ill afford property with out loans because the availability of loans makes property expensive in the first place. If people save the old fashioned way with out the need to take loans from Banks, property prices will go down over night once credit is not available (like the now, in the crises, no credit, property prices goes down).

Banks make money by lending money to people (money that they do not own as it belong to depositors, and they even create money on it using multipliers), and then economists keep thinking why is it that inflation is something that we have to face all the time. Well, we do not have to. Growth in money supply is the cause of inflation.

Ending the Ribah/Interest system will usher an era where economies do not have to see continuous inflation, and the concept of time value of money itself will change.

Thanks for giving me this space

محمد عبد المنعم يقول...

جزاك الله خيرا....
إنها حرب من الله يا أخي العزيز، أشكرك كثيرا على مشاركتك المتميزة و عمق نظرتك

هدانا الله جميعا لما يحب و يرضى