النقطة الثانية: يا فلان يا أخويا ... عندما تريد أن تفهم نظرة الإسلام لقضية ما، حاول أن تجمع كل النصوص الصحيحة الواردة فيها، ثم اجمع شروح العلماء الأفاضل عليها (لا سيما علماء الصحابة و التابعين لأنهم أكثر قربا من الحدث الذي نزلت فيه و هم كذلك أفهم بمقصود النبي؛ فلغتهم صافية و فطرتهم سليمة و اتباعهم لله و رسوله خالص من كل شائبة) ...
أو انظر في الكتب المحققة للعلماء الباحثين الفقهاء الجهابذة (من المعاصرين أو قبلهم بقليل) الذين لخصوا كل هذا في كتب أقرب للعوامّ و طلبة العلم ... فستجد أنه إذا تعارضت مثلا الأحاديث الصحيحة التي تأمر بعدم الطَّاعة والتي تأمر بالسمع والطَّاعة وإن جار الحاكم أو اقترف المعاصي، فإنه لابد من النظر فيها و إزالة هذا التعارض بطريقة مقبولة من طرق إزالته بين ظواهر هذه النصوص، و اتباع طريق الجمع لإزالة هذا التعارض ممكن بالتَّأويل بين هذه الأحاديث والأحاديث الأخرى التي جاء فيها الأمر بطاعة الأمراء على الإطلاق أو بطاعة الأمراء الظُّلمة...
فالذي عليه العلماء في الأمراء الجائرين أنه إن قدر الناس على خلعهم بغير فتنة و لا ظلم وجب عليهم ذلك، و إلا فالواجب الصبر، مع العلم أنه لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداءً...
فلان حبيبي ... افعل ذلك و لا تحكم برأيك على حديث ثبتت صحته قطعا... فقط لأنك لم تفهم مراده أو فهمت أنه يتعارض مع ما هو أصح منه في نظرك ... العبرة بالفهم السليم و جمع أطراف القضية... و اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
مسلم أصولي:
النقطة الثالثة: قولك: انني لا اضع قدسية لأحد لا البخاري ولا مسلم ولا غيره .. فقط الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي اذا قضى امرا ومن قبله رب العزة أطيع وأنا صاغر....
لذلك يا اخي اذا كان البخاري دون هذه الاحاديث او غيره ووجدتها تخالف كتاب الله والفطرة والسويه ارفضها رفضا باتاً...
أحب أقول لك يا فلان يا أخويا...
أولا: إذا كنت لا تأخذ من قول أحد إلا قول الله و قول رسول الله و فطرتك و عقلك ... و في نفس الوقت لا تعتبر البخاري و مسلم صادقين أو أمينين في نقلهما للأحاديث و السنن ... فأنت تناقض نفسك من جهتين:
الأولى: أن كل ما نقل عن رسول الله هو من جهد هؤلاء المحدثين العظماء أئمة الإسلام... فإذا كنت لا تثق بمروياتهم فكيف تقول إن كلام رسول الله أطيعه و أنا صاغر؟!!!
الثانية: إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبين للقرآن بقوله و عمله و تقريره، و هي أيضا منقولة لنا عن طريق هؤلاء الأئمة، و إذا كان الله قد تولى حفظ كتابه من التحريف و التبديل فهو قد تولى كذلك حفظ سنة نبيه (لأنها هي المنهج التطبيقي له) ...
و بالتالي معنى كلامك سيكون هكذا: أنا لا أؤمن إلا بالقرآن ... و أما الأحاديث النبوية فأعرضها على عقلي أولا فإن وافقت ما فهمته أنا من القرآن و وافقت فطرتي السليمة فهي أحاديث قالها الرسول فعلا ... و إلا فلا!!
مسلم أصولي:
معلومة لك: لا يجوز لمسلم أو منصف أن يزعم التعارض بين آية كريمة و بين حديث صحيح قطعي الثبوت (كأحاديث البخاري و مسلم مثلا)، أو أن ينسب إلى الجامع الصحيح مثلا اشتماله على أحاديث مناقضة لما أنزل الله في محكم كتابه. ويحكم على حديث متفق على صحته بأنه منكر و مفترى.
يا عجبا. كأن القائل بمثل هذا و الذي تربع على منصة الإفتاء ظلما وزورا يظن أن البخاري وغيره من أئمة السنة كانوا متسولين يأخذون الحديث عن كل من هب ودب، فكل من قال لهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم… قالوا له: صدقت، هات ما عندك و فرحوا به، كما يفرح الصبي بقطعة الحلوى!!
كلا ... لقد كانوا لا يقبلون قولا حتى يعلموا أصله و مصدره، و لهذا اشترطوا الإسناد الذي تفردت به هذه الأمة عن غيرها من الأمم.
ولم يكونوا يقبلون أي إسناد يذكر، بل يضعون كل راو من رواة السند على مشرحة التحليل، يسألون عنه… عن عقله و دينه… و خلقه و سيرته، و عن شيوخه و تلامذته، فمن اشتبهوا فيه أسقطوه، و ردوا حديثه، و من قامت الدلائل على صدقه و حفظه و عدالته و ضبطه رووا عنه و قبلوه، و قد كان من ثمرات هذه البحوث المتشعبة المستفيضة علمان جليلان من علوم السنة هما: علم رجال الحديث و علم الجرح و التعديل.
و كانوا يجوبون الآفاق، و يذرعون الأرض، طلبا للحديث ممن سمعه بأذنيه، قال سعيد بن المسيب: (إنا كنا نسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد).
و قد يزعم قوم في مستهل كلامهم أنهم لا يتهمون أبا هريرة و لا البخاري بصنع الأحاديث. و الحق أنهم لم يتهموهما وحدهما، بل اتهموا معهما سائر علماء الإسلام و حملة رسالته، في القرون الأولى التي هي خير القرون، و اتهموا الأمة كلها بالغباوة و الغفلة و الجهل، حيث تقبلت هذه الأحاديث بضعة عشر قرنا بقبول حسن، و أثنت على رواتها، و خلعت عليهم وصف الإمامة في الدين...
مسلم أصولي:
النقطة الرابعة: نقول تاني...
...
إن الأساليب الأساسية للسياسة الإسلامية في التغيير هي: التبليغ بالكلمة و استخدام القوة و إقامة السلطة... أما الهجرة و العزلة فهي تصرف اضطراري يتحتم عند اليأس من الاستجابة ... و لا تخرج أساليب العمل الإسلامي عن هذا الإطار العام.
...
كون (المقاومة تجاه السلطة الظالمة واجبة) فنعم ... أما (سواء غيرنا أنفسنا أم لا) ... فهذا غريب جدا !... لأننا لن نحصد شيئا في الواقع؛ لأن المقاومة ساعتها ستكون غير ذات نفع ... مجرد ضوضاء بلا طحن ... فنحن إن استطعنا جدلا أن نخلع هذا الحاكم الطاغية ... فإن المجتمع لن يفرز لنا حاكما من الملائكة بدلا عنه! نكون ساعتها خلعنا فاسدا و أحللنا بدلا منه فاسدا آخر ... لأن التربة واحدة ... دعني أسألك سؤالا: من أين خرج الرئيس مبارك؟ أليس من أسرة مصرية؟ أليس من بيننا؟ أليس من الممكن أنه كان إنسانا عاديا و شابا ملتزما وطنيا طموحا ... ثم أدى الخلل الأصيل في تربيته إلى تغير بعض صفاته شيئا فشيئا خصوصا عندما أذهلته كنوز السلطة؟
مش منطقي ...؟
خاتمة هذه السلسلة الحوارية...
هذا ما آل إليه فكر كثير من الشباب المسلم ... أصبح الدين عندهم يمثل غشاء رقيقا في خلفية إدراكه و وعيه و اهتماماته ... و تشوهت كثير من مبادئه في عقولهم ...
إنه و إن كان الغزو الفكري نجح إلى حد بعيد في تشكيل الوعي المجتمعي في بلادنا المسلمة بهذه الطريقة التي هي نسخة طبق الأصل من المجتمع الغربي ...
أقول إنه و إن كان نجح .. إلا أن دين الإسلام أصلب عودا و أجدى وعودا و أقوم سبيلا و أوضح رؤية لكل جوانب الكون و الحياة الدنيا و الحياة الأخرى..
و إنه لا تزال -رغم كل هذه التعمية المتعمدة- طائفة من أمة محمد صلى الله عليه و سلم يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة...
يقاتلون ضد كل غزو فكري أو عسكري ...
يقفون على الثغور بلا كلل ...
هم قلة في بعض الأزمان ... و كثرة في أزمان أخرى ...
لكنهم على الحق ... ظاهرون ... إلى يوم القيامة ...
نسأل الله أن نكون منهم و أن يصلح بنا ما فسد في مجتمعاتنا بما كسبت أيدينا.
فاللهم أعزنا بالإسلام و أعز الإسلام بنا.
و استعملنا و لا تستبدلنا...
و إنا لله و إنا إليه راجعون.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
هناك 3 تعليقات:
هذه الحلقة أفضلهم هل لأن الأعمال بالخواتيم
:)
بارك الله فيك
مع ان حضرتك مواضيعك قويه عليا جدا بس مناسبه للعقليات اللى حضرتك بتخاطبهم
بجد عرض قوى ومفحم جدا
مش فاهمه اساسا ازاى يشككوا فى البخارى وماهو اا احاديث للرسول مجرد التشكيك فى البخارى تشكيك فى السنه كلها
جزاك الله خيرا واثابك على مجهودك
عصفور المدينة ...
و بارك فيك سيدي الفاضل
دا بس من ذوق حضرتك :)
===
رفقة عمر ...
أشكرك على اهتمامك و دوام الزيارة
مع إني مقصر جدا مع حضرتك
جزاك الله خيرا وأثابنا و إياك
إرسال تعليق