الأربعاء، أغسطس 22، 2007

المقعد رقم 24 - الجزء الأول

كنت عائدا بالقطار إلى القاهرة في عطلة آخر الأسبوع...

قطار 930 .. عربة 6 .. مقعد 24 ..

... ما هذا؟ من هذا؟!

محمد: لو سمحت حضرتك دا مكاني تقريبا

الراجل: ما أنا عارف، بس بعد إذنك عشان أقعد جنب مراتي، أنا كان رقمي 17 ممكن تقعد فيه؟

محمد: طبعا طبعا

و التفت فإذا بي بمقعد جوار النافذة و جار زنجي نحيل ملتح يرتدي جلبابا أبيض و يأكل باهتمام و صمت، شعرت للوهلة الأولى نحوه بالضيق، رائحة الطعام و الطبيخ و منظره و هو يأكل بالملعقة من كيس بداخله وعاء كبير و أطباق كل هذا على حجره الصغير، و لكن للحق كان غاية في الهدوء و البساطة...

سرحت بخواطري لأعماق أفريقيا حيث السود البسطاء الذين يأكلون طعاما غريبا بأيديهم و يضحكون ملء أفواههم... دائما طعامهم له ذات الرائحة

أظنني أحب السفر.. و أحب التعرف على بيئات و أناس و تقاليد جديدة

اكتشفت كذلك أن أمامه على الأرض حقيبته و أكياس أخرى فيها أطباق و زجاجات..

و في وسط الأكل، الراجل اللي مع مراته اللي كانوا قدامنا ما كانش عارف يظبط الكرسي و يثبته، قام صاحبنا الزنجي ساب الأكل اللي ف إيده و قام من مكانه و باحتراف عالي و حرص على خدمة بلا مقابل بشهامة و بساطة... و هوب... راح بخبطة واحدة ظبط المسائل و قعد يكمل أكل عادي و بهدوء رائع.

تركته و شأنه و شرعت أتلو وردي من القرآن بصوت خفيض

فإذا به يترك الأكل و يلتفت إلي مبتسما... ثم يمد إلى يده مسلما (طبعا كرد فعل سريع عفوي تأكدت من أن يده نظيفة ليس بها أثر طعام)

الزنجي: السلام عليكم

محمد (مبتسما بود): و عليكم السلام، كيف حالك؟

الزنجي: الحمد لله، أفطرت؟ (لأنه كان يوم خميس، و من الواضح أنه كان صائما!)

محمد: الحمد لله

ثم عاد يأكل و كأن ما فيش حاجة حصلت !

بس أخدت بالي من نطقه العربية، و تلك الغترة البيضاء على كتفيه، و لحيته، و غطاء رأسه الصغير الأسمر، و هدوء طبعه و حسن عشرته

كل دا؟ أي والله كل دا

المهم أنا كملت قراءة و هو كمل أكل (مش عارف كل الأكل دا و مش تخين إزاي؟)، و بعد ما خلص أكل ابتدا شرب

عصير و مياه و بعدين قعد يحلي بشوية كيك بالزبيب تقريبا (خمنت من حاسة شمي)

و بعدين وضب كل الحركات دي و حط كل الحلل و الأطباق و بقية الأكل و الزجاجات في أكياس و اطمن عليها... و قام رجع الكرسي لورا... و نام ..!!!

و في خلال دقيقة كان بقى ف سابع نومة و سمعت غطيطه كأنه نايم من ساعة (واضح إنه كان مرهق!)

طبعا الشيطان الرخم قال لي: شايف... آدي يا سيدي، معظم المسلمين على كدا، يضحكوا على نفسهم بصيام الاتنين و الخميس، و هم لا المجتمع بيستفيد منهم و لا حتى الدين نفسه بيستفيد منهم حاجة، كله كدا: صيام بالنهار و كسل و بعدين أكل و نوم و جلابية قصيرة و لحية!!! و فاكرين إنهم كدا بقى آخر تمام

الله يحرقك يا ملعون!

قعدت شوية أخلص الورد القرآني و بعدين لاقيت زي مايكون الراجل الزنجي سمع الشيطان الرخم، فقام من النوم و كأنه أخد كفايته، و طلع المصحف هو كمان و قعد يقرا

سبحن الله

شوية و قمت أنا مطلع جهاز الحاسوب المحمول اللي معايا و كنت ناوي أكتب تدوينة جديدة. بعد شوية لاقيته بيلتفت لي و يسألني شوية حاجات كدا عن مشكلة بتقابله في تحرير النصوص المكتوبة على الحاسوب

راجل حبوب جدا، يتكلم العربية الفصحى المكسرة مختلطة باللهجة السكندرية المصرية و قليل جدا لا يذكر من الإنجليزية الشديدة الإتقان

ثم دار حوار طويييييييييييييييييييييييييييييييييييل إلى نهاية الرحلة، اعذروني لن أتكلم الفصحى إلا قليلا مجاراة لمستوى الحديث الذي كان بيننا

محمد: بتشتغل إيه؟

الزنجي: مدرس لغة إنجليزية في American College

- تدرس لمصريين؟

- نعم، ولكن هم المسئولون في المعهد يقولون إن هناك طلبة مش مصريون

- ما جنسيتك؟

- أمريكي

- أمريكي !!!! (الآن فهمت لماذا إنجليزيته شديدة الإتقان) و قبل أن تكون أمريكي؟

- (ضاحكا) كنت في رحم أمي

- يعني أنت أمريكي أصلي، متزوج؟

- نعم متزوج من مصرية منذ أن جئت إلى مصر من سنة 2000

- عندك أولاد؟

- بنت عندها ست سنوات و ابن عنده ثلاث أو أربع سنوات

- متى أسلمت؟

- سنة 78

- كيف أسلمت؟

..................................................... نتوقف هنا للفاصل ... ثم نواصل بعد قليل إن شاء الله

ما الذي يمكن أن نكون تعلمناه من موقف كهذا؟

مع العلم أن الذي سنتعلمه من باقي القصة أكثر بكثير ... الله المستعان

هناك تعليقان (2):

عصفور المدينة يقول...

أخي محمد سلمت يمينك وبنا يبارك فيك وفي انتظار ردك عى رسالتي
وعندي موضوع متعلق بموضوعك الرائع هذا
وفعلا هؤلاء المسلمون ربما يكونون أفضل منا إسلاما ونحن نرى أنفسنا وصلنا قمة الفكر وقمة الفهم وقمة الوصول

http://ctybrd.blogspot.com/2007/03/blog-post_10.html

محمد عبد المنعم يقول...

قرأت موضوع المسلم الأمريكي
كلام قد لا يصدقه عقل مسلم من الذين ولدو بالعالم الثالث
!!!!!!!!!!!
قصص كثيرة تحدث كل يوم
من هذا القبيل
الإسلام الحق يعرفه من ولد في جاهلية حقة
أما الذين ولدوا في بيئة إسلامية مشوهة لا يحسون بحلاوة هذا الدين
و لا بحياة الروح التي يبثها في العالمين
و لا بإبهار هذه النعمة العظمى

جزاك الله خيرا على مرورك الدائم على مدونتنا المتواضعة

و اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام
و نسألك اللهم أن تعزنا بالإسلام و تعز الإسلام بنا
و أن تستعملنا و لا تستبدلنا